responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 321
تَعَالَى مَا أَنْزَلَ عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ، إِلَّا فِي زَمَنِ هَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ فَقَطْ، فَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ هَذَا الْجِنْسَ مِنَ الْهَلَاكِ قَدْ فَعَلَهُ بِغَيْرِهِمْ، وَبَيَّنَ الْعِلَّةَ الَّتِي بِهَا يَفْعَلُ ذَلِكَ: قَالَ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْقَرْيَةَ لِأَنَّهَا مُجْتَمَعُ الْقَوْمِ الَّذِينَ إِلَيْهِمْ يُبْعَثُ الرُّسُلُ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا اللَّفْظِ الْمَدِينَةُ، لِأَنَّهَا مُجْتَمَعُ الْأَقْوَامِ وَقَوْلُهُ: مِنْ نَبِيٍّ فِيهِ حَذْفٌ وَإِضْمَارٌ، وَالتَّقْدِيرُ: مِنْ نَبِيٍّ فَكُذِّبَ أَوْ كَذَّبَهُ أَهْلُهَا، إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْبَأْسَاءُ كُلُّ مَا نَالَهُمْ مِنَ الشِّدَّةِ فِي أَحْوَالِهِمْ، وَالضَّرَّاءُ مَا نَالَهُمْ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِكَيْ يَضَّرَّعُوا، مَعْنَاهُ: يَتَضَرَّعُوا، وَالتَّضَرُّعُ هُوَ الْخُضُوعُ وَالِانْقِيَادُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَمَّا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَهُ: لَعَلَّهُمْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الشَّكِّ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ/ الْمُرَادَ أَنَّهُ تَعَالَى فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ لِكَيْ يَتَضَرَّعُوا. قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ مِنْ كُلِّ الْمُكَلَّفِينَ الْإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَمَّا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ تَعْلِيلَ أَفْعَالِ اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ مُحَالٌ وَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى فَعَلَ، مَا لَوْ فَعَلَهُ غَيْرُهُ لَكَانَ ذَلِكَ شَبِيهًا بِالْعِلَّةِ وَالْغَرَضِ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ تَدْبِيرَهُ فِي أَهْلِ الْقُرَى لَا يَجْرِي عَلَى نَمَطٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا يُدَبِّرُهُمْ بِمَا يَكُونُ إِلَى الْإِيمَانِ أَقْرَبَ فَقَالَ: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ لِأَنَّ وُرُودَ النِّعْمَةِ فِي الْبَدَنِ وَالْمَالِ بَعْدَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، يَدْعُو إِلَى الِانْقِيَادِ وَالِاشْتِغَالِ بالشكر، ومعنى الحسنة والسيئة هاهنا الشِّدَّةُ وَالرَّخَاءُ. قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: (السَّيِّئَةُ) كُلُّ مَا يَسُوءُ صَاحِبَهُ، وَ (الْحَسَنَةُ) مَا يَسْتَحْسِنُهُ الطَّبْعُ وَالْعَقْلُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ يَأْخُذُ أَهْلَ الْمَعَاصِي بِالشِّدَّةِ تَارَةً، وَبِالرَّخَاءِ أُخْرَى. وَقَوْلُهُ: حَتَّى عَفَوْا قَالَ الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ: قَدْ عَفَا الشَّعَرُ وَغَيْرُهُ، إِذَا كَثُرَ، يَعْفُو فَهُوَ عَافٍ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى عَفَوْا يَعْنِي كَثُرُوا وَمِنْهُ مَا
وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَمَرَ أَنْ تُحَفَّ الشَّوَارِبُ، وَتُعْفَى اللِّحَى
يَعْنِي تَوَفَّرَ وَتُكَثَّرَ وَقَوْلُهُ: وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ مَتَى نَالَهُمْ شِدَّةٌ قَالُوا: لَيْسَ هَذَا بِسَبَبِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ وَالْعَمَلِ وَتِلْكَ عَادَةُ الدَّهْرِ، وَلَمْ يَكُنْ مَا مَسَّنَا مِنَ الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا دَبَّرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ رَخَاءٍ بَعْدَ شِدَّةٍ، وَأَمْنٍ بَعْدَ خَوْفٍ، بَلْ عَدَلُوا إِلَى أَنَّ هَذِهِ عَادَةَ الزَّمَانِ فِي أَهْلِهِ، فَمَرَّةً يَحْصُلُ فِيهِمُ الشِّدَّةُ وَالنَّكَدُ، وَمَرَّةً يَحْصُلُ لَهُمُ الرَّخَاءُ وَالرَّاحَةُ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ أَزَالَ عُذْرَهُمْ وَأَزَاحَ عِلَّتَهُمْ، فَلَمْ يَنْقَادُوا وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِذَلِكَ الْإِمْهَالِ، وَقَوْلُهُ:
فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَمَّا تَمَرَّدُوا عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ، أَخَذَهُمُ اللَّهُ بَغْتَةً أَيْنَمَا كَانُوا، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ فِي الْحَسْرَةِ. وَقَوْلُهُ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَيْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ وَالْحِكْمَةَ فِي حِكَايَةِ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يَحْصُلَ الِاعْتِبَارُ لِمَنْ سَمِعَ هذه القصة وعرفها.

[سورة الأعراف (7) : الآيات 96 الى 99]
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (99)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ الَّذِينَ عَصَوْا وَتَمَرَّدُوا أَخَذَهُمُ اللَّهُ بَغْتَةً، بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ لَوْ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 14  صفحه : 321
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست